فصل: فصل: في قتل الحرة لأمة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


كتاب عتق أمهات الأولاد‏

أم الولد‏:‏ هي التي ولدت من سيدها في ملكه ولا خلاف في إباحة التسري ووطء الإماء لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين‏}‏ وقد كانت مارية القبطية أم ولد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي أم إبراهيم بن النبي -صلى الله عليه وسلم- التي قال فيها‏:‏ ‏(‏أعتقها ولدها‏)‏ وكانت هاجر أم إسماعيل عليه السلام سرية إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام‏,‏ وكان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أمهات أولاد أوصى لكل واحدة منهن بأربعمائة وكان لعلي رضي الله عنه أمهات أولاد ولكثير من الصحابة وكان علي بن الحسين والقاسم بن محمد‏,‏ وسالم بن عبد الله من أمهات أولاد وروي أن الناس لم يكونوا يرغبون في أمهات الأولاد حتى ولد هؤلاء الثلاثة من أمهات الأولاد‏,‏ فرغب الناس فيهن وروي عن سالم بن عبد الله قال‏:‏ ‏(‏ كان لابن رواحة جارية وكان يريد الخلوة بها‏,‏ وكانت امرأته ترصده فخلا البيت فوقع عليها‏,‏ فندرت به امرأته وقالت‏:‏ أفعلتها‏؟‏ قال‏:‏ ما فعلت قالت‏:‏ فقر إذا فقال‏:‏

شهدت بأن وعد الله حق ** وأن النار مثوى الكافرينا

وأن العرش فوق الماء طاف ** وفوق العرش رب العالمينا

وتحمله ملائكة شداد ** ملائكة الإله مسومينا

فقالت‏:‏ أما إذ أقررت فاذهب إذا فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره قال‏:‏ فلقد رأيته يضحك حتى تبدو نواجذه‏,‏ ويقول‏:‏ هيه كيف قلت‏؟‏ فأكرره عليه فيضحك‏)‏‏.‏

فصل‏:‏

فإذا وطئ الرجل أمته‏,‏ فأتت بولد بعد وطئه بستة أشهر فصاعدا لحقه نسبه وصارت له بذلك أم ولد وإن أتت بولد تام لأقل من ستة أشهر‏,‏ لم يلحقه نسبه لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر بدليل ما روى الحسن أن امرأة ولدت لستة أشهر‏,‏ فأتى بها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهم برجمها فقال له علي رضي الله عنه‏:‏ ليس لك ذلك إن الله يقول‏:‏ ‏{‏وحمله وفصاله ثلاثون شهرا‏}‏ فقد يكون في البطن ستة أشهر‏,‏ والرضاع أربعة وعشرون شهرا فذلك تمام ما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ثلاثون شهرا‏}‏ فخلى عنها عمر وروي عن ابن عباس أنه قال ذلك لعثمان ومن اعترف بوطء أمته‏,‏ فأتت بولد يمكن أن يكون منه لحقه نسبه ولم يكن له نفيه لما روي عن عمر‏,‏ رضي الله عنه أنه قال‏:‏ حصنوا هذه الولائد فلا يطأ رجل وليدته ثم ينكر ولدها‏,‏ إلا ألزمته إياه رواه سعيد وعن ابن عمر قال‏:‏ قال عمر‏:‏ أيما رجل غشي أمته ثم ضيعها‏,‏ فالضيعة عليه والولد ولده رواه سعيد أيضا ولأن أمته صارت فراشا بالوطء فلحقه ولدها‏,‏ كالمرأة ولقوله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏الولد للفراش‏)‏ فإن نفاه سيدها لم ينتف عنه‏,‏ إلا أن يدعي أنه استبرأها وأتت بالولد بعد استبرائها بستة أشهر فينتفي عنه بذلك وهل يحلف على ذلك‏؟‏ على وجهين وقد روي عن الحسن‏,‏ قال‏:‏ إذا أنكر الرجل ولده من أمته فله ذلك وعن الشعبي أنه كان يقول‏:‏ ينتفي من ولده‏,‏ إذا كان من أمته ومتى شاء ولنا قول عمر‏,‏ وأنه ولد على فراشه فلم يكن له نفيه كولده من زوجته فإن أقر به‏,‏ لم يكن له نفيه بعد ذلك لا نعلم فيه خلافا قال إبراهيم‏:‏ إذا أقر بولده فليس له أن ينتفي منه فإن انتفى منه‏,‏ ضرب الحد وألحق به الولد وقال شريح لرجل أقر بولده‏:‏ لا سبيل لك أن تنتفي منه وكذلك إن هنئ به فسكت‏,‏ أو أمن على الدعاء لأنه دليل على الرضا به فقام مقام الإقرار به وإن كان يطأ جاريته وادعى أنه كان يعزل عنها‏,‏ لم ينتف الولد بذلك لما روى أبو سعيد أنه ‏(‏قال‏:‏ يا رسول الله إنا نصيب النساء‏,‏ ونحب الأثمان أفنعزل عنهن‏؟‏ قال‏:‏ إن الله إذا قضى خلق نسمة خلقها‏)‏ وعن جابر‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ إن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال‏:‏ اعزل عنها إن شئت‏,‏ فإنه سيأتيها ما قدر لها قال‏:‏ فلبث الرجل ثم أتاه فقال‏:‏ إن الجارية قد حملت قال قد أخبرتك‏,‏ أنه سيأتيها ما قدر لها‏)‏ رواه أبو داود وعن أبي سعيد أنه قال‏:‏ كنت أعزل عن جاريتي فولدت أحب الخلق إلى يعني ابنه وعن ابن عمر‏,‏ أن عمر قال‏:‏ ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يعزلونهن لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أنه أتاها‏,‏ إلا ألحقت به ولدها فاعزلوا بعد ذلك أو اتركوا ولأنها بالوطء صارت فراشا وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏الولد للفراش‏)‏ ولما ‏(‏تنازع عبد بن زمعة وسعد‏,‏ في ابن وليدة زمعة فقال عبد‏:‏ هو أخي وابن وليدة أبي‏,‏ ولد على فراشه فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر‏)‏ متفق عليه ولأنه قد يسبق من الماء ما لا يحس به‏,‏ فيخلق منه الولد وقد روي عن ابن عمر وزيد بن ثابت ما يدل على أن الولد لا يلحق به مع العزل فروى سعيد حدثنا سفيان‏,‏ عن ابن أبي نجيح عن فتى من أهل المدينة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعزل عن جارية له‏,‏ فجاءت بحمل فشق عليه وقال‏:‏ اللهم لا تلحق بآل عمر من ليس منهم فإن آل عمر ليس بهم خفاء فولدت ولدا أسود‏,‏ فقال‏:‏ ممن هو‏؟‏ فقالت‏:‏ من راعي الإبل فحمد الله وأثنى عليه وقال‏:‏ حدثنا سفيان عن حماد عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد أن زيد بن ثابت‏,‏ كانت له جارية فارسية وكان يعزل عنها فجاءت بولد‏,‏ فأعتق الولد وجلدها الحد وقال‏:‏ إنما كنت استطبت نفسك‏,‏ ولا أريدك وفي رواية قال‏:‏ ممن حملت‏؟‏ قالت منك فقال‏:‏ كذبت وما وصل إليك مني ما يكون منه الحمل‏,‏ وما أطأك إلا إني استطبت نفسك وقال الثوري وأبو حنيفة‏:‏ لا تصير فراشا‏,‏ ولا يلحقه ولدها إلا أن يقر بولدها فيلحقه أولادها بعد ذلك ولنا‏,‏ ما ذكرناه وقول عمر الموافق للسنة أولى من قوله فيما خالفها‏.‏

فصل‏:‏

وإن اعترف بوطء أمته في الدبر أو دون الفرج فقد روي عن أحمد رضي الله عنه أنه يلحقه ولدها‏,‏ وتصير فراشا بهذا وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي رضي الله عنه ولأنه قد يجامع فيسبق الماء إلى الفرج والصحيح في هذا -إن شاء الله تعالى-‏,‏ أنها لا تصير بهذا فراشا لأنه ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص‏,‏ ولا يثبت الحكم إلا بدليل ولا ينتقل عن الأصل إلا بناقل عنه إذا ثبت هذا فكل موضع لحقه الولد من أمته‏,‏ إذا حملت به في ملكه فالولد حر الأصل لا ولاء عليه‏,‏ وتصير به الأمة أم ولد‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وأحكام أمهات الأولاد أحكام الإماء في جميع أمورهن‏,‏ إلا أنهن لا يبعن ‏]‏

وجملة ذلك أن الأمة إذا حملت من سيدها وولدت منه ثبت لها حكم الاستيلاد‏,‏ وحكمها حكم الإماء في حل وطئها لسيدها واستخدامها وملك كسبها‏,‏ وتزويجها وإجارتها وعتقها‏,‏ وتكليفها وحدها وعورتها وهذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن مالك‏,‏ أنه لا يملك إجارتها وتزويجها لأنه لا يملك بيعها فلا يملك تزويجها وإجارتها كالحرة ولنا‏,‏ أنها مملوكة ينتفع بها فيملك سيدها تزويجها وإجارتها‏,‏ كالمدبرة لأنها مملوكة تعتق بموت سيدها فأشبهت المدبرة‏,‏ وإنما منع بيعها لأنها استحقت أن تعتق بموته وبيعها يمنع ذلك بخلاف التزويج والإجارة ويبطل دليلهم بالموقوفة والمدبرة عند من منع بيعها إذا ثبت هذا‏,‏ فإنها تخالف الأمة القن في أنها تعتق بموت سيدها من رأس المال ولا يجوز بيعها‏,‏ ولا التصرف فيها بما ينقل الملك من الهبة والوقف ولا ما يراد للبيع‏,‏ وهو الرهن ولا تورث لأنها تعتق بموت السيد ويزول الملك عنها روي هذا عن عمر‏,‏ وعثمان وعائشة وعامة الفقهاء وروي عن علي‏,‏ وابن عباس وابن الزبير إباحة بيعهن وإليه ذهب داود قال سعيد‏:‏ حدثنا سفيان‏,‏ عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس في أم الولد قال‏:‏ بعها كما تبيع شاتك‏,‏ أو بعيرك قال‏:‏ وحدثنا أبو عوانة عن مغيرة عن الشعبي‏,‏ عن عبيدة قال خطب على الناس فقال‏:‏ شاورني عمر في أمهات الأولاد‏,‏ فرأيت أنا وعمر أن أعتقهن فقضى به عمر حياته وعثمان حياته‏,‏ فلما وليت رأيت أن أرقهن قال عبيدة‏:‏ فرأى عمر وعلي في الجماعة أحب إلينا من رأى علي وحده وقد روى صالح بن أحمد‏,‏ قال‏:‏ قلت لأبي‏:‏ إلى أي شيء تذهب في بيع أمهات الأولاد‏؟‏ قال‏:‏ أكرهه وقد باع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال في رواية إسحاق بن منصور‏:‏ لا يعجبني بيعهن قال أبو الخطاب‏:‏ فظاهر هذا أنه يصح بيعهن مع الكراهة فجعل هذا رواية ثانية عن أحمد رضي الله عنه والصحيح أن هذا ليس برواية مخالفة لقوله‏:‏ إنهن لا يبعن لأن السلف‏,‏ رحمة الله عليهم كانوا يطلقون الكراهة على التحريم كثيرا ومتى كان التحريم والمنع مصرحا به في سائر الروايات عنه‏,‏ وجب حمل هذا اللفظ المحتمل على المصرح به ولا يجعل ذلك اختلافا ولمن أجاز بيعهن أن يحتج بما روى جابر‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر فلما كان عمر رضي الله عنه نهانا‏,‏ فانتهينا‏)‏ رواه أبو داود وما كان جائزا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر لم يجز نسخه بقول عمر ولا غيره ولأن نسخ الأحكام إنما يجوز في عصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأن النص إنما ينسخ بنص مثله وأما قول الصحابي‏,‏ فلا ينسخ ولا ينسخ به فإن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يتركون أقوالهم لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا يتركونها بأقوالهم وإنما تحمل مخالفة عمر لهذا النص‏,‏ على أنه لم يبلغه ولو بلغه لم يعده إلى غيره ولأنها مملوكة‏,‏ ولم يعتقها سيدها ولا شيئا منها ولا قرابة بينه وبينها‏,‏ فلم تعتق كما لو ولدت من أبيه في نكاح أو غيره ولأن الأصل الرق‏,‏ ولم يرد بزواله نص ولا إجماع ولا ما في معنى ذلك فوجب البقاء عليه‏,‏ ولأن ولادتها لو كانت موجبة لعتقها لثبت العتق بها حين وجودها كسائر أسبابه وروي عن ابن عباس‏,‏ رواية أخرى أنها تجعل في سهم ولدها لتعتق عليه وقال سعيد‏:‏ حدثنا سفيان حدثنا الأعمش‏,‏ عن زيد بن وهب قال‏:‏ مات رجل منا وترك أم ولد‏,‏ فأراد الوليد بن عقبة أن يبيعها في دينه فأتينا عبد الله بن مسعود فذكرنا ذلك له‏,‏ فقال‏:‏ إن كان ولا بد فاجعلوها في نصيب أولادها ولنا ما روى عكرمة‏,‏ عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه‏)‏ وقال ابن عباس‏:‏ ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ ‏(‏أعتقها ولدها‏)‏ رواهما ابن ماجه وذكر الشريف أبو جعفر‏,‏ في ‏(‏مسائله‏)‏ عن ابن عمر ‏(‏عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد ولا يبعن ولا يرهن‏,‏ ولا يرثن ويستمتع بها سيدها ما بدا له فإن مات‏,‏ فهي حرة‏)‏ وهذا فيما أظن عن عمر ولا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم بدليل قول علي كرم الله وجهه‏:‏ كان رأيي ورأي عمر‏,‏ أن لا تباع أمهات الأولاد وقوله‏:‏ فقضى به عمر حياته وعثمان حياته وقول عبيدة‏:‏ رأى علي كرم الله وجهه وعمر في الجماعة أحب إلينا من رأيه وحده وروى عكرمة عن ابن عباس‏,‏ قال‏:‏ قال عمر رضي الله عنه‏:‏ ما من رجل كان يقر بأنه يطأ جاريته ثم يموت إلا أعتقها ولدها إذا ولدت‏,‏ وإن كان سقطا فإن قيل‏:‏ فكيف تصح دعوى الإجماع مع مخالفة على وابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم‏؟‏ قلنا‏:‏ قد روي عنهم الرجوع عن المخالفة فقد روى عبيدة‏,‏ قال‏:‏ بعث إلى علي كرم الله وجهه وإلى شريح أن اقضوا كما كنتم تقضون فإني أبغض الاختلاف وابن عباس قال‏:‏ ولد أم الولد بمنزلتها وهو الراوي لحديث عتقهن‏,‏ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن عمر فيدل على موافقته لهم ثم قد ثبت الإجماع باتفاقهم قبل المخالفة واتفاقهم معصوم عن الخطأ‏,‏ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة ولا يجوز أن يخلو زمن عن قائم لله بحجته ولو جاز ذلك في بعض العصر‏,‏ لجاز في جميعه ورأى الموافق في زمن الاتفاق خير من رأيه في الخلاف بعده‏,‏ فيكون الاتفاق حجة على المخالف له منهم كما هو حجة على غيره فإن قيل‏:‏ لو كان الاتفاق في بعض العصر إجماعا حرمت مخالفته‏,‏ فكيف خالفه هؤلاء الأئمة الذين لا تجوز نسبتهم إلى ارتكاب الحرام‏؟‏ قلنا‏:‏ الإجماع ينقسم إلى مقطوع به ومظنون وهذا من المظنون‏,‏ فيمكن وقوع المخالفة منهم له مع كونه حجة كما وقع منهم مخالفة النصوص الظنية‏,‏ ولا تخرج بمخالفتهم عن كونها حجة كذا ها هنا فأما قول جابر‏:‏ ‏(‏بعنا أمهات الأولاد في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏)‏ وأبي بكر فليس فيه تصريح بأنه كان بعلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا علم أبي بكر فيكون ذلك واقعا من فعلهم على انفرادهم فلا يكون فيه حجة‏,‏ ويتعين حمل الأمر على هذا لأنه لو كان هذا واقعا بعلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وأقرا عليه لم تجز مخالفته‏,‏ ولم يجمع الصحابة بعدهما على مخالفتهما ولو فعلوا ذلك لم يخل من منكر ينكر عليهم‏,‏ ويقول‏:‏ كيف يخالفون فعل رسول الله وفعل صاحبه‏؟‏ وكيف يتركون سنتهما ويحرمون ما أحلا‏؟‏ من هذا ولأنه لو كان ذلك واقعا بعلمهما‏,‏ لاحتج به على حين رأى بيعهن واحتج به كل من وافقه على بيعهن ولم يجر شيء من هذا‏,‏ فوجب أن يحمل الأمر على ما حملناه عليه فلا يكون فيه إذا حجة ويحتمل أنهم باعوا أمهات الأولاد في النكاح‏,‏ لا في الملك‏.‏

فصل‏:‏

ومن أجاز بيع أم الولد فعلى قوله إن لم يبعها حتى مات‏,‏ ولم يكن له وارث إلا ولدها عتقت عليه وإن كان لها وارث سوى ولدها‏,‏ حسبت من نصيب ولدها فعتقت وكان له ما بقي من ميراثه وإن لم يبق شيء فلا شيء له وإن كانت أكثر من نصيبه‏,‏ عتق منها قدر نصيبه وباقيها رقيق لسائر الورثة إلا على قول من قال‏:‏ إنه إذا ورث سهما ممن يعتق عليه‏,‏ سرى العتق إلى باقيه وإن لم يكن لها ولد من سيدها ورثها وورثته كسائر رقيقه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا أصاب الأمة‏,‏ وهي ملك غيره بنكاح فحملت منه ثم ملكها حاملا‏,‏ عتق الجنين وكان له بيعها ‏]‏

وجملته أنه إذا تزوج أمة غيره فأولدها‏,‏ أو أحبلها ثم ملكها بشراء أو غيره‏,‏ لم تصر أم ولد له بذلك سواء ملكها حاملا فولدت في ملكه أو ملكها بعد ولادتها وبهذا قال الشافعي رضي الله عنه لأنها علقت منه بمملوك‏,‏ فلم يثبت لها حكم الاستيلاد كما لو زنى بها ثم اشتراها‏,‏ ولأن الأصل الرق وإنما خولف هذا الأصل فيما إذا حملت منه في ملكه بقول الصحابة رضي الله عنهم‏,‏ ففيما عداه يبقى على الأصل ونقل القاضي ابن أبي موسى عن أحمد رضي الله عنه أنها تصير أم ولد في الحالين وهو قول الحسن وأبي حنيفة لأنها أم ولده‏,‏ وهو مالك لها فثبت لها حكم الاستيلاد كما لو حملت في ملكه ولم أجد هذه الرواية عن أحمد‏,‏ فيما إذا ملكها بعد ولادتها إنما نقل عنه التوقف عنها في رواية مهنا‏,‏ فقال‏:‏ لا أقول فيها شيئا وصرح في رواية جماعة سواه بجواز بيعها فقال‏:‏ لا أرى بأسا أن يبيعها‏,‏ إنما الحسن وحده قال‏:‏ إنها أم ولد وقال‏:‏ أكثر ما سمعنا فيه من التابعين يقولون‏:‏ لا تكون أم ولد حتى تلد عنده وهو يملكها فإن عبيدة السلماني يقول‏:‏ نبيعها وشريحا وإبراهيم وعامرا الشعبي وأما إذا ملكها حاملا‏,‏ فظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أنها تصير أم ولد وهو مذهب مالك رضي الله عنه لأنها ولدت منه في ملكه فأشبه ما لو أحبلها في ملكه‏,‏ وقد صرح أحمد رضي الله عنه في رواية إسحاق بن منصور أنها لا تكون أم ولد حتى تحدث عنده حملا وروي عنه ابنه صالح‏,‏ قال‏:‏ سألت أبي عن الرجل ينكح الأمة فتلد منه ثم يبتاعها قال‏:‏ لا تكون أم ولد له قلت‏:‏ فإن استبرأها‏,‏ وهي حامل منه قال‏:‏ إذا كان الوطء يزيد في الولد وكان يطؤها بعد ما اشتراها وهي حامل منه‏,‏ كانت أم ولد له قال ابن حامد‏:‏ إن وطئها في ابتداء حملها أو توسطه كانت بذلك أم ولد له لأن الماء يزيد في سمع الولد وبصره وقال القاضي‏:‏ إن ملكها حاملا‏,‏ فلم يطأها حتى وضعت لم تصر أم ولد له وإن وطئها حال حملها‏,‏ نظرنا فإن كان بعد أن كمل الولد وصار له خمسة أشهر لم تصر به أم ولد وإن كان وطئها قبل ذلك‏,‏ صارت له بذلك أم ولد لأن عمر رضي الله عنه قال‏:‏ أبعد ما اختلطت دماؤكم ودماؤهن ولحومكم ولحومهن بعتموهن‏,‏ فعلل بالمخالطة والمخالطة ها هنا حاصلة لأن الماء يزيد في الولد ولأن لحرية البعض أثرا في تحرير الجميع‏,‏ بدليل ما إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد وقال أبو الخطاب‏:‏ إن وطئها بعد الشراء فهي أم ولد وكلام الخرقي يقتضي أنها لا تكون أم ولد إلا أن تحبل منه في ملكه وهو الذي نص عليه أحمد رضي الله عنه في رواية إسحاق بن منصور‏,‏ فقال‏:‏ لا تكون أم ولد حتى تحدث عنده حملا لأنها لم تعلق منه بحر فلم يثبت لها حكم الاستيلاد كما لو زنى بها ثم اشتراها يحقق هذا‏,‏ أن حملها منه ما أفاد الحرية لولده فلأن لا يفيدها الحرية أولى ويفارق هذا ما إذا حملت منه في ملكه فإن الولد حر فيتحرر بتحريره وما ذكروه من زيادة الولد بالوطء‏,‏ غير متيقن فإن هذا الولد يحتمل أنه زاد ويحتمل أنه لم يزد فلا يثبت الحكم بالشك‏,‏ ولو ثبت أنه زاد لم يثبت الحكم بهذه الزيادة بدليل ما لو ملكها وهي حامل من زنى منه‏,‏ أو من غيره فوطئها لم تصر أم ولد‏,‏ وإن زاد الولد به ولأن حكم الاستيلاد إنما يثبت بالإجماع في حق من حملت منه في ملكه وما عداه ليس في معناه‏,‏ وليس فيه نص ولا إجماع فوجب أن لا يثبت هذا الحكم‏,‏ ولأن الأصل الرق فيبقى على ما كان عليه‏.‏

فصل‏:‏

قال أحمد رضي الله عنه في من اشترى جارية حاملا من غيره فوطئها قبل وضعها‏:‏ فإن الولد لا يلحق بالمشتري ولا يبيعه‏,‏ ولكن يعتقه لأنه قد شرك فيه لأن الماء يزيد في الولد وقد روي عن أبي الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أنه مر بامرأة مجح على باب فسطاط‏,‏ فقال‏:‏ لعله يريد أن يلم بها‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه في قبره كيف يرثونه وهو لا يحل له أم كيف يستخدمه وهو لا يحل له‏)‏ رواه أبو داود يعني إن استلحقه وشركه في ميراثه‏,‏ لم يحل له لأنه ليس بولده فإن اتخذه مملوكا يستخدمه لم يحل له لأنه قد شرك فيه لكون الماء يزيد في الولد‏.‏

فصل‏:‏

وإذا وطئ الرجل جارية ولده فإن كان قد قبضها وتملكها‏,‏ ولم يكن الولد وطئها ولا تعلقت بها حاجته فقد ملكها الأب بذلك‏,‏ وصارت جاريته والحكم فيها كالحكم في جاريته التي ملكها بالشراء وإن وطئها قبل تملكها فقد فعل محرما لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون‏}‏ وهذه ليست زوجا له‏,‏ ولا ملك يمينه فإن قيل‏:‏ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أنت ومالك لأبيك‏)‏ فأضاف مال الابن إلى أبيه فاللام الملك والاستحقاق فدل على أنه ملكه قلنا‏:‏ لم يرد النبي -صلى الله عليه وسلم- حقيقة الملك‏,‏ بدليل أنه أضاف إليه الولد وليس بمملوك وأضاف إليه ماله في حالة إضافته إلى الولد‏,‏ ولا يكون الشيء مملوكا لمالكين حقيقة في حال واحدة وقد يثبت الملك لولده حقيقة بدليل حل وطء إمائه والتصرف في ماله‏,‏ وصحة بيعه وهبته وعتقه ولأن الولد لو مات لم يرث منه أبوه إلا ما قدر له ولو كان ماله‏,‏ لاختص به ولو مات الأب لم يرث ورثته مال ابنه‏,‏ ولا يجب على الأب حج ولا زكاة ولا جهاد بيسار ابنه فعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أراد التجوز بتشبيهه بماله في بعض الأحكام إذا ثبت هذا‏,‏ فإنه لا حد على الأب للشبهة لأنه إذا لم يثبت حقيقة الملك فلا أقل من أن يكون شبهة تدرأ الحد فإن الحدود تدرأ بالشبهات ولكن يعزر لأنه وطئ جارية لا يملكها‏,‏ وطئا محرما فكان عليه التعزير كوطء الجارية المشتركة وفيه وجه آخر‏,‏ لا يعزر عليه لأن مال ولده كماله ولا يصح لأن ماله مباح له غير ملوم عليه وهذا الوطء هو عاد فيه‏,‏ ملوم عليه وإن علقت منه فالولد حر لأنه من وطء درئ فيه الحد لشبهة الملك فكان حرا‏,‏ كولد الجارية المشتركة ولا تلزمه قيمته لأن الجارية تصير ملكا له بالوطء فيحصل علوقها بالولد وهي ملك له‏,‏ وتصير أم ولد له تعتق بموته وتنتقل إلى ملكه‏,‏ فيحل له وطؤها بعد ذلك وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر‏:‏ لا تصير أم ولد له‏,‏ ولا يملكها لأنه استولدها في غير ملكه فأشبه الأجنبي ولأن ثبوت أحكام الاستيلاد‏,‏ إنما كان بالإجماع فيما إذا استولد مملوكته وهذه ليست مملوكة له ولا في معنى مملوكته‏,‏ فإنها محرمة عليه فوجب أن لا يثبت لها هذا الحكم ولأن الأصل الرق‏,‏ فيبقى على الأصل ولأن الوطء المحرم لا ينبغي أن يكون سببا للملك الذي هو نعمة وكرامة‏,‏ لأنه يفضي إلى تعاطي المحرمات ولنا أنها علقت منه بحر لأجل الملك فصارت أم ولد له‏,‏ كالجارية المشتركة وفارق وطء الأجنبي في هذا إذا ثبت هذا فإنه لا يلزمه مهرها‏,‏ ولا قيمتها وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يلزمه مهرها ويلزمه قيمتها لأنه أخرجها عن ملك سيدها بفعل محرم فأشبه ما لو قتلها‏,‏ وإنما لم يلزمه مهرها لأنه إذا ضمنها فقد دخلت قيمة البضع في ضمانها فلم يضمنه ثانيا‏,‏ كما لو قطع يدها فسرى القطع إلى نفسها فإنه يضمن قيمة النفس دون قيمة اليد وقال الشافعي‏:‏ يلزمه مهرها لأنه وطئ جارية غيره وطئا محرما فلزمه مهرها‏,‏ كالأجنبي وتلزمه قيمتهما على القول بكونها أم ولد‏,‏ كما يلزم أحد الشريكين قيمة نصيب شريكه إذا استولد الجارية المشتركة ولنا‏,‏ قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أنت ومالك لأبيك‏)‏ ولأنه لا تلزمه قيمة ولدها فلم يلزمه مهرها ولا قيمتها كمملوكته‏,‏ ولأنه وطء صارت به الموطوءة أم ولد لأمر لا يختص ببعضها فأشبه استيلاد مملوكته‏.‏

فصل‏:‏

فإن كان الولد قد وطئ جاريته‏,‏ ثم وطئها أبوه فأولدها فقد روي عن أحمد رضي الله عنه في من وقع على جارية ابنه‏:‏ إن كان الأب قابضا لها ولم يكن الابن وطئها فهي أم ولده‏,‏ وليس للابن فيها شيء قال القاضي‏:‏ فظاهر هذا أن الابن إن كان قد وطئها لم تصر أم ولد للأب باستيلادها لأنها تحرم عليه تحريما مؤبدا بوطء ابنه لها‏,‏ ولا تحل له بحال فأشبه وطء الأجنبي فعلى هذا القول لا يملكها‏,‏ ولا تعتق بموته فأما ولدها فيعتق على أخيه لأنه ذو رحم منه ويحتمل أن يثبت لها حكم الاستيلاد من غير أن تحل له‏,‏ كما لو استولد مملوكته التي وطئها ابنه فإنها تصير أم ولد له مع كونها محرمة عليه على التأبيد‏,‏ فكذلك ها هنا وذلك لأنه وطء يدرأ فيه الحد بشبهة الملك فصارت به أم ولد كما لو لم يطأها الابن‏.‏

فصل‏:‏

وإن وطئ الابن جارية أبيه أو أمه‏,‏ فهو زان يلزمه الحد إذا كان عالما بالتحريم ولا تصير أم ولد له‏,‏ ويلزمه مهرها وولده يعتق على جده لأنه ابن ابنه إذا قلنا‏:‏ إن ولده من الزنى يعتق على أبيه وتحرم الجارية على الأب على التأبيد ولا تجب بسبب قيمتها على الابن لأنه لم يخرجها عن ملكه‏,‏ ولم يمنعه بيعها ولا التصرف فيها بغير الاستمتاع فإن استولدها الأب بعد ذلك فقد فعل محرما‏,‏ ولا حد عليه لأنه وطء صادف ملكا وتصير أم ولد له لأنه استولد مملوكته فأشبه ما لو وطئ أمته المرهونة‏.‏

فصل‏:‏

وإن زوج أمته‏,‏ ثم وطئها فقد فعل محرما ولا حد عليه لأنها مملوكته‏,‏ ويعزز قال أحمد رضي الله عنه‏:‏ يجلد ولا يرجم يعني أنه يعزر بالجلد لأنه لو وجب عليه الحد لوجب الرجم إذا كان محصنا فإن أولدها‏,‏ صارت أم ولده لأنه استولد مملوكته وتعتق بموته وولده حر‏,‏ وما ولدت بعد ذلك من الزوج فحكمه حكم أمه‏.‏

فصل‏:‏

ولو ملك رجل أمه من الرضاع أو أخته أو ابنته‏,‏ لم يحل وطؤها فإن وطئها فلا حد عليه في أصح الروايتين لأنها مملوكته ويعزر فإن ولدت فالولد حر‏,‏ ونسبه لاحق به وهي أم ولده وكذلك لو ملك أمة مجوسية أو وثنية‏,‏ فاستولدها أو ملك الكافر أمة مسلمة فاستولدها فلا حد عليه‏,‏ ويعزر ويلحقه نسب ولده وتصير أم ولد له‏,‏ تعتق بموته لما ذكرنا وكذلك لو وطئ أمته المرهونة أو وطئ رب المال أمة من مال المضاربة فأولدها صارت له بذلك أم ولد‏,‏ وخرجت من الرهن والمضاربة وعليه قيمتها للمرتهن تجعل مكانها رهنا‏,‏ أو توفية عن دين الرهن وتنفسخ المضاربة فيها وإن كان فيها ربح جعل الربح في مال المضاربة والله أعلم

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا علقت منه بحر في ملكه‏,‏ فوضعت بعض ما يستبين فيه خلق الإنسان كانت له بذلك أم ولد ‏]‏

ذكر الخرقي لمصيرها أم ولد شروطا ثلاثة أحدها أن تعلق منه بحر فأما إن علقت منه بمملوك‏,‏ ويتصور ذلك في الملك في موضعين أحدهما في العبد إذا ملكه سيده وقلنا‏:‏ إنه يملك فإنه إذا وطئ أمته واستولدها‏,‏ فولده مملوك ولا تصير الأمة أم ولد يثبت لها حكم الاستيلاد بذلك وسواء أذن له سيده في التسري بها أو لم يأذن له والثاني‏,‏ إذا استولد المكاتب أمته فإن ولده مملوك له وأما الأمة‏,‏ فإنه لا تثبت لها أحكام أم الولد في العتق بموته في الحال لأن المكاتب ليس بحر وولده منها ليس بحر فأولى أن لا تتحرر هي ومتى عجز المكاتب‏,‏ وعاد إلى الرق أو مات قبل أداء كتابته فهي أمة قن‏,‏ كأمة العبد القن وهل يملك المكاتب بيعها والتصرف فيها‏؟‏ فيه اختلاف ذكر القاضي في موضع‏,‏ أنه لا يثبت فيها شيء من أحكام الاستيلاد ولا تصير أم ولد بحال وهذا أحد قولي الشافعي لأنها علقت بمملوك في ملك غير تام فلم يثبت لها شيء من أحكام الاستيلاد‏,‏ كأمة العبد القن وظاهر المذهب أنها موقوفة لا يملك بيعها ولا نقل الملك فيها‏,‏ فإن عتق صارت له أم ولد تعتق بموته‏,‏ فيثبت لها من حرمة الاستيلاد ما يثبت لولدها من حرمة الحرية وقد نص أحمد رضي الله عنه على منع بيعها ومفهوم كلام الخرقي‏,‏ يحتمل الوجهين جميعا الشرط الثاني أن تعلق منه في ملكه سواء كان من وطء مباح أم محرم‏,‏ مثل الوطء في الحيض أو النفاس أو الصوم‏,‏ أو الإحرام أو الظهار أو غيره فأما إن علقت منه في غير ملكه‏,‏ لم تصر بذلك أم ولد سواء علقت منه بمملوك مثل أن يطأها في ملك غيره بنكاح أو زنا أو علقت بحر مثل أن يطأها بشبهة أو غر من أمة‏,‏ وتزوجها على أنها حرة فاستولدها أو اشترى جارية فاستولدها فبانت مستحقة‏,‏ فإن الولد حر ولا تصير الأمة أم ولد في هذه المواضع بحال وفيه وجه آخر أنه إن ملكها بعد ذلك‏,‏ صارت أم ولد وقد ذكرنا الخلاف في ذلك في المسألة‏:‏التي قبل هذه والمقصود بذكر هذه الشروط ها هنا ثبوت الحكم عند اجتماعها‏,‏ وأما انتفاؤه عند انتفائها فيذكر في مسائل مفردة لها الشرط الثالث أن تضع ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان من رأس‏,‏ أو يد أو رجل أو تخطيط‏,‏ سواء وضعته حيا أو ميتا وسواء أسقطته أو كان تاما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا ولدت الأمة من سيدها‏,‏ فقد عتقت وإن كان سقطا وروى الأثرم بإسناده عن ابن عمر‏,‏ أنه قال‏:‏ أعتقها ولدها وإن كان ولدها سقطا قال الأثرم‏:‏ قلت لأبي عبد الله‏:‏ أم الولد‏,‏ إذا أسقطت لا تعتق‏؟‏ فقال‏:‏ إذا تبين فيه يد أو رجل‏,‏ أو شيء من خلقه فقد عتقت وهذا قول الحسن والشافعي وقال الشعبي‏:‏ إذا تلبث في الخلق الرابع‏,‏ فكان مخلقا انقضت به عدة الحرة وأعتقت به الأمة ولا أعلم في هذا خلافا بين من قال بثبوت حكم الاستيلاد‏,‏ فأما إن ألقت نطفة أو علقة لم يثبت به شيء من أحكام الولادة لأن ذلك ليس بولد وروى يوسف بن موسى‏,‏ أن أبا عبد الله قيل له‏:‏ ما تقول في الأمة إذا ألقت مضغة أو علقة‏؟‏ قال‏:‏ تعتق وهذا قول إبراهيم النخعي وإن وضعت مضغة لم يظهر فيها شيء من خلق الآدمي فشهد ثقات من القوابل أن فيها صورة خفية‏,‏ تعلقت بها الأحكام لأنهن اطلعن على الصورة التي خفيت على غيرهن وإن لم يشهدن بذلك لكن علم أنه مبتدأ خلق آدمي إما بشهادتهن أو غير ذلك‏,‏ ففيه روايتان إحداهما لا تصير به الأمة أم ولد ولا تنقضي به عدة الحرة‏,‏ ولا يجب على الضارب المتلف له الغرة ولا الكفارة وهذا ظاهر كلام الخرقي والشافعي وظاهر ما نقله الأثرم عن أحمد رضي الله عنه وظاهر كلام الحسن‏,‏ والشعبي وسائر من اشترط أن يتبين شيء فيه خلق الإنسان لأنه لم يبن فيه شيء من خلق الآدمي أشبه النطفة والعلقة والثانية‏,‏ تتعلق به الأحكام الأربعة لأنه مبتدأ خلق آدمي أشبه إذا تبين وخرج أبو عبد الله بن حامد رواية ثالثة وهو أن الأمة تصير بذلك أم ولد‏,‏ ولا تنقضي به عدة الحرة لأنه روي عن أحمد رضي الله عنه في الأمة إذا وضعت فمسته القوابل فعلمن أنه لحم ولم يتبين لحمه‏:‏ تحتاط في العدة بأخرى‏,‏ ويحتاط بعتق الأمة وظاهر هذا أنه حكم بعتق الأمة ولم يحكم بانقضاء العدة لأن عتق الأمة يحصل للحرية‏,‏ فاحتيط بتحصيلها والعدة يتعلق بها تحريم التزوج وحرمة الفرج فاحتيط بإبقائها وقال بعض الشافعية بالعكس‏:‏ لا تجب العدة‏,‏ ولا تصير الأمة أم ولد لأن الأصل عدم كل واحد منهما فيبقى على أصله ولا يصح لأن العدة كانت ثابتة والأصل بقاؤها على ما كانت عليه‏,‏ والأصل في الآدمي الحرية فتغلب ما يفضي إليها والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ فإذا مات فقد صارت حرة‏,‏ وإن لم يملك غيرها ‏]‏

يعني أن أم الولد تعتق من رأس المال وإن لم يملك سواها وهذا قول كل من رأى عتقهن لا نعلم بينهم فيه خلافا وسواء ولدت في الصحة أو المرض لأنه حاصل بالتذاذه وشهوته‏,‏ وما يتلفه في لذاته وشهوته يستوي فيه حال الصحة والمرض كالذي يأكله ويلبسه‏,‏ ولأن عتقها بعد الموت وما يكون بعد الموت يستوي فيه المرض والصحة كقضاء الديون‏,‏ والتدبير والوصية ولا نعلم في هذا خلافا بين من رأى عتقهن قال سعيد‏:‏ حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد‏,‏ عن نافع قال‏:‏ أدرك ابن عمر رجلان فقالا‏:‏ إنا تركنا هذا الرجل يبيع أمهات الأولاد يعنيان ابن الزبير فقال ابن عمر‏:‏ أتعرفان أبا حفص‏؟‏ فإنه قضى في أمهات الأولاد أن لا يبعن‏,‏ ولا يوهبن يستمتع بها صاحبها فإذا مات فهي حرة وقال‏:‏ حدثنا غياث‏,‏ عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس‏,‏ قال‏:‏ قال عمر رضي الله عنه ما من رجل كان يقر بأنه يطأ جاريته ويموت إلا أعتقها إذا ولدت‏,‏ وإن كان سقطا‏.‏

فصل‏:‏

ولا فرق بين المسلمة والكافرة والعفيفة والفاجرة ولا بين المسلم والكافر‏,‏ والعفيف والفاجر في هذا في قول أئمة أهل الفتوى من أهل الأمصار لأن ما يتعلق به العتق يستوي فيه المسلم والكافر‏,‏ والعفيف والفاجر كالتدبير والكتابة ولأن عتقها بسبب اختلاط دمها بدمه ولحمها بلحمه‏,‏ فإذا استويا في النسب استويا في حكمه وروى سعيد حدثنا هشيم‏,‏ أخبرنا منصور عن ابن سيرين عن أبي عطية الهمداني‏,‏ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في أم الولد‏:‏ إن أسلمت وأحصنت وعفت أعتقت‏,‏ وإن كفرت وفجرت وغدرت رقت وقال‏:‏ حدثنا هشيم أخبرنا يحيى عن أم ولد رجل ارتدت عن الإسلام‏,‏ فكتب في ذلك إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وكتب عمر‏:‏ بيعوها ليسبيها أحد من أهل دينها وإذا كان مبنى عتق أمهات الأولاد على قول عمر رضي الله عنه وقد قال هذا القول فينبغي أن يختص العتق بالمسلمة العفيفة دون الكافرة الفاجرة لانتفاء الدليل الذي ثبت به عتقهن والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا صارت الأمة أم ولد بما وصفنا‏,‏ ثم ولدت من غيره كان له حكمها في العتق بموت سيدها ‏]‏

وجملته أن أم الولد إذا ولدت بعد ثبوت حكم الاستيلاد لها من غير سيدها من زوج أو غيره‏,‏ فحكم ولدها حكمها في أنه يعتق بموت سيدها ويجوز فيه من التصرفات ما يجوز فيها‏,‏ ويمتنع فيه ما يمتنع فيها قال أحمد رضي الله عنه‏:‏ قال ابن عمر وابن عباس وغيرهما‏:‏ ولدها بمنزلتها ولا نعلم في هذا خلافا بين القائلين بثبوت حكم الاستيلاد إلا أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال‏:‏ هم عبيد فيحتمل أنه أراد أنه لا يثبت لهم حكم أمهم لأن الاستيلاد مختص بها‏,‏ فيختص بحكمه كولد من علق عتقها بصفة ويحتمل أنه أراد أنهم عبيد حكمهم حكم أمهم مثل قول الجماعة لأن الولد يتبع أمه في الرق والحرية‏,‏ فيتبعها في سببه إذا كان متأكدا كولد المكاتبة والمدبرة بل ولد أم الولد أولى لأن سبب العتق فيها مستقر‏,‏ ولا سبيل إلى إبطاله بحال فإن ماتت أم الولد قبل سيدها لم يبطل حكم الاستيلاد في الولد وتعتق بموت سيدها لأن السبب لم يبطل‏,‏ وإنما تثبت الحرية فيها لأنها لم تبق محلا وكذلك ولد المدبرة لا يبطل الحكم فيه بموت أمه وأما ولد المكاتبة إذا ماتت‏,‏ فإنه يعود رقيقا لأن العقد يبطل بموتها فلم يبق حكمه فيه وقد ذكرنا في هذا خلافا فيما تقدم وإن أعتق السيد أم الولد أو المدبرة‏,‏ لم يعتق ولدها لأنها عتقت بغير السبب الذي تبعها فيه ويبقى عتقه موقوفا على موت سيده وكذلك إن أعتق ولدهما‏,‏ لم يعتقا بعتقه وإن أعتق المكاتبة فقد قال أحمد وسفيان وإسحاق‏:‏ المكاتبة إذا أدت أو أعتقت عتق ولدها‏,‏ وأم الولد والمدبرة إذا أعتقت لم يعتق ولدها حتى يموت السيد فظاهر هذا أن ولد المكاتبة يتبعها في العتق بإعتاق سيدها لأنه في حكم مالها يستحق كسبه‏,‏ فيتبعها إذا أعتقها كمالها ولأن إعتاقها يمنع أداءها بسبب من السيد‏,‏ فأشبه ما لو أبرأها من مال الكتابة‏.‏

فصل‏:‏

فأما ولد أم الولد قبل استيلادها وولد المدبرة قبل تدبيرها والمكاتبة قبل كتابتها‏,‏ فلا يتبعها لوجوده قبل انعقاد السبب فيها وزوال حكم التبعية عنه قبل تحقق السبب في أمه ولهذا لا يتبعها في العتق المنجز‏,‏ ففي السبب أولى وذكر أبو الخطاب في ولد المدبرة قبل التدبير روايتين فيخرج ها هنا مثله وهو بعيد لأن الولد المنفصل لا يتبعها في عتق‏,‏ ولا بيع ولا هبة ولا رهن‏,‏ ولا شيء من الأحكام سوى الإسلام بشرط كونه صغيرا‏,‏ فكيف يتبع في التدبير ولأنه لا نص فيه ولا قياس يقتضيه‏,‏ فيبقى بحاله‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا أسلمت أم ولد النصراني منع من وطئها والتلذذ بها‏,‏ وأجبر على نفقتها فإذا أسلم حلت له وإن مات قبل ذلك‏,‏ عتقت ‏]‏

وجملة ذلك أن الكافر يصح منه الاستيلاد لأمته كما يصح منه عتقها وإذا استولد الذمي أمته ثم أسلمت‏,‏ لم تعتق في الحال وبهذا قال الشافعي وقال مالك‏:‏ تعتق إذ لا سبيل إلى بيعها ولا إلى إقرار ملكه عليها لما فيه من إثبات ملك كافر على مسلمة‏,‏ فلم يجز كالأمة القن وعن أحمد رضي الله عنه رواية أخرى أنها تستسعى‏,‏ فإن أدت عتقت وهو قول أبي حنيفة لأن فيه جمعا بين الحقين حقها في أن لا يبقى ملك الكافر عليها وحقه في حصول عوض ملكه‏,‏ فأشبه بيعها إذا لم تكن أم ولد ولنا أنه إسلام طرأ على ملك فلم يوجب عتقا‏,‏ ولا سعاية كالعبد القن وما ذكروه مجرد حكمة لم يعرف من الشارع اعتبارها وبقاؤها ضرر‏,‏ فإن في عتقها مجانا إضرارا بالمالك بإزالة ملكه بغير عوض وفي الاستسعاء إلزام لها بالكسب بغير رضاها‏,‏ وتضييع لحقه لأن فيه إحالة على سعاية لا ندري هل يحصل منها شيء أو لا‏؟‏ وإن حصل فالظاهر أنه يكون يسيرا في أوقات متفرقة‏,‏ وجوده قريب من عدمه والحق أن يبقى الملك على ما كان عليه ويمنع من وطئها‏,‏ والتلذذ بها كي لا يطأها ويبتذلها وهو مشرك ويحال بينه وبينها‏,‏ ويمنع الخلوة بها لئلا يفضي إلى الوطء المحرم ويجبر على نفقتها على التمام لأنها مملوكته‏,‏ ومنعه من وطئها بغير معصية منها فأشبهت الحائض والمريضة وتسلم إلى امرأة ثقة‏,‏ تكون عندها لتحفظها وتقوم بأمرها‏,‏ وإن احتاجت إلى أجر أو أجر مسكن فعلى سيدها وذكر القاضي أن نفقتها في كسبها‏,‏ وما فضل من كسبها فهو لسيدها وإن عجز عن نفقتها فهل يلزم سيدها تمام نفقتها‏؟‏ على روايتين ونحو هذا مذهب الشافعي والصحيح أن نفقتها على سيدها وكسبها له‏,‏ يصنع به ما شاء وعليه نفقتها على التمام سواء كان لها كسب أو لم يكن لأنها مملوكة له‏,‏ ولم يجر بينهما عقد يسقط نفقتها ولا يملك به كسبها فأشبهت أمته القن‏,‏ أو ما قبل إسلامها ولأن الملك سبب لهذين الحكمين والحادث منهما لا يصلح مانعا لأن الاستيلاد لا يمنع منهما‏,‏ بدليل ما قبل إسلامها والإسلام لا يمنع بدليل ما لو وجد قبل ولادتها‏,‏ واجتماعهما لا يمنع لأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه ولأنه إذا لم تلزمه نفقتها‏,‏ ولم يكن لها كسب أفضى إلى هلاكها وضياعها ولأنه يملك فاضل كسبها‏,‏ فيلزمه فضل نفقتها كسائر مماليكه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا عتقت أم الولد بموت سيدها فما كان في يدها من شيء‏,‏ فهو لورثة سيدها ‏]‏

إنما كان كذلك لأن أم الولد أمة وكسبها لسيدها‏,‏ وسائر ما في يدها له فإذا مات سيدها فعتقت انتقل ما في يدها إلى ورثته‏,‏ كسائر ماله وكما في يد المدبرة وتخالف المكاتبة فإن كسبها في حياة سيدها لها‏,‏ فإذا عتقت بقي لها كما كان لها قبل العتق‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولو أوصى لها بما في يدها‏,‏ كان لها إذا احتمله الثلث ‏]‏

وجملته أن الوصية لأم الولد تصح لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم القائلين بثبوت حكم الاستيلاد وبهذا قال الشافعي وإسحاق‏,‏ وأصحاب الرأي وقد روى الإمام أحمد وسعيد بن منصور عن هشيم‏,‏ حدثنا حميد عن الحسن أن عمر بن الخطاب أوصى لأمهات أولاده بأربعة آلاف أربعة آلاف ولأن أم الولد حرة في حال نفوذ الوصية لها لأن عتقها يتنجز بموته‏,‏ فلا تقع الوصية لها إلا في حال حريتها وأما قوله‏:‏ إذا احتمله الثلث فلأن الوصية كلها لا تلزم إلا في الثلث فما دون وهذا منها وما زاد على الثلث يقف على إجازة الورثة‏,‏ فإن أجازوه جاز وإلا رد إلى الورثة ولا تعتبر قيمة أم الولد من الثلث لأنها تعتق من رأس المال فلا تحتسب من الثلث‏,‏ كقضاء الديون وأداء الواجبات‏.‏

فصل‏:‏

وإن أوصى لمدبره أو مدبرته صحت الوصية أيضا‏,‏ إلا أنه تعتبر قيمته وما أوصى له به من الثلث لأن التدبير تبرع فكان من الثلث كالوصية فإن خرجا من الثلث عتق‏,‏ وكان ما أوصى به له وصحت الوصية لأنها وقعت في حال حريته فأشبهت الوصية لأم ولده وإن لم يخرجا من الثلث‏,‏ اعتبرت قيمته من الثلث فيعتق منه بقدر الثلث ليعتق دون المال وإن كانت قيمته بقدر الثلث‏,‏ عتق ولا وصية له وإن فضل من الثلث شيء بعد عتقه‏,‏ فله من الوصية تمام الثلث ويقف ما زاد على إجازة الورثة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا مات عن أم ولده فعدتها حيضة ‏]‏

إنما كان كذلك لأن الواجب عليها استبراء نفسها‏,‏ لخروجها عن ملك سيدها الذي كان يطؤها فكان ذلك بحيضة كما لو أعتقها سيدها في حياته وإنما سمى الخرقي هذا عدة لأن الاستبراء أشبه العدة في كونه يمنع النكاح‏,‏ وتحصل به معرفة براءتها من الحمل وقد ذكرنا هذه المسألة‏:‏في العدد والخلاف فيها على ما مضى‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا جنت أم الولد فداها سيدها بقيمتها أو دونها ‏]‏

وجملته أن أم الولد إذا جنت‏,‏ تعلق أرش جنايتها برقبتها وعلى السيد أن يفديها بأقل الأمرين من قيمتها أو دونها وبهذا قال الشافعي وحكى أبو بكر عبد العزيز قولا آخر أنه يفديها بأرش جنايتها بالغة ما بلغت‏,‏ لأنه لم يسلمها في الجناية فلزمه أرش جنايتها بالغة ما بلغت كالقن وقال أبو ثور‏,‏ وأهل الظاهر‏:‏ ليس عليه فداؤها وتكون جنايتها في ذمتها تتبع بها إذا عتقت لأنه لا يملك بيعها‏,‏ فلم يكن عليه فداؤها كالحرة ولنا أنها مملوكة له كسبها لم يسلمها‏,‏ فلزمه أرش جنايتها كالقن لا تلزمه زيادة على قيمتها لأنه لم يمتنع من تسليمها‏,‏ وإنما الشرع منع ذلك لكونها لم تبق محلا للبيع ولا لنقل الملك فيها وفارقت القن إذا لم يسلمها‏,‏ فإنه إن أمكن أن يسلمها للبيع فربما زاد فيها مزيدا أكثر من قيمتها فإذا امتنع مالكها من تسليمها أوجبنا عليه الأرش بكماله وفي مسألتنا لا يحتمل ذلك فيها فإن بيعها غير جائز فلم يكن عليه أكثر من قيمتها‏.‏

فصل‏:‏

وإذا ماتت قبل فدائها‏,‏ فلا شيء على سيدها؛ لأنه لم يتعلق بذمته شيء وإنما تعلق برقبتها‏,‏ فإذا ماتت سقط الحق لتلف متعلقه وإن نقصت قيمتها قبل فدائها وجب فداؤها بقيمتها يوم الفداء لأنها لو تلفت جميعها لسقط الفداء فوجب أن يسقط بعضه بتلف بعضها وإن زادت قيمتها‏,‏ زاد فداؤها لأن متعلق الحق زاد فزاد الفداء بزيادته كالرقيق القن وينبغي أن تحسب قيمتها معيبة بعيب الاستيلاد لأن ذلك نقصها‏,‏ فاعتبر كالمرض وغيره من العيوب ولأن الواجب قيمتها في حال فدائها وقيمتها ناقصة عن قيمة غير أم الولد‏,‏ فيجب أن ينقص فداؤها وأن يكون مقدار قيمتها في حال كونها أم ولد والحكم في المدبرة كالحكم في أم الولد‏,‏ إلا أنها يجوز بيعها في رواية فيمكن تسليمها للبيع إن اختار سيدها وإن امتنع منه‏,‏ فهل يفديها بأقل الأمرين أو يلزمه أرش الجناية بالغا ما بلغ‏؟‏ يخرج على روايتين‏.‏

فصل‏:‏

وإن كسبت بعد جنايتها شيئا فهو لسيدها لأن الملك ثابت له دون المجني عليه وإن ولدت‏,‏ فهو لسيدها أيضا لأنه منفصل عنها فأشبه الكسب وإن فداها في حال حملها فعليه قيمتها حاملا لأن الولد متصل بها‏,‏ فأشبه سمنها وإن أتلفها سيدها فعليه قيمتها لأنه أتلف حق غيره فأشبه ما لو أتلف الرهن وإن نقصها‏,‏ فعليه نقصها لأنه لما ضمن العين ضمن أجزاءها والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ فإن عادت فجنت فداها‏,‏ كما وصفت ‏]‏

وجملته أن أم الولد إذا جنت جنايات لم تخل من أن تكون الجنايات كلها قبل فداء شيء منها أو بعده فإن كانت قبل الفداء تعلق أرش الجميع برقبتها‏,‏ ولم يكن عليه فيها كلها إلا قيمتها أو أرش جميعها وعليه الأقل منهما‏,‏ ويشترك المجني عليهم في الواجب لهم فإن وفي بها وإلا تحاصوا فيه بقدر أروش جناياتهم وإن كان الثاني بعد فدائها من الأولى‏,‏ فعليه فداؤها من التي بعدها كما فدى الأولى وقال أبو الخطاب عن أحمد رضي الله عنه رواية ثانية‏:‏ إذا فداها بقيمتها مرة‏,‏ لم يلزمه فداؤها بعد ذلك لأنها جانية فلم يلزمه أكثر من قيمتها كما لو لم يكن فداها وقال الشافعي رضي الله عنه في أحد قوليه‏:‏ لا يضمنها ثانيا‏,‏ ويشارك الثاني الأول فيما أخذه كما لو كانت الجنايات قبل فدائها ولنا أنها أم ولد جانية‏,‏ فلزمه فداؤها كالأولى ولأن ما أخذه الأول عوض جنايته‏,‏ أخذه بحق فلم يجز أن يشاركه غيره فيه كأرش جناية الحر‏,‏ أو الرقيق القن وفارق ما قبل الفداء لأن أرش الجنايات تعلق برقبتها في وقت واحد فلم يلزم السيد أكثر من قيمة واحدة‏,‏ كما لو كانت الجنايات على واحد‏.‏

فصل‏:‏

فإن أبرأ بعضهم من حقه توفر الواجب على الباقين إذا كانت كلها قبل الفداء‏,‏ وإن كانت الجناية المعفو عنها بعد فدائه توفر أرشها على سيدها والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ووصية الرجل لأم ولده وإليها جائزة ‏]‏

أما الوصية لها فقد ذكرناها وأما الوصية إليها‏,‏ فجائزة لأنها في حال نفوذ الوصية حرة فأشبهت زوجته أو غيرها من النساء ويعتبر لصحة الوصية إليها‏,‏ ما يعتبر في غيرها من العدالة والعقل وسائر الشروط وسواء كانت الوصية على أولادها أو غيرهم‏,‏ أو وصى إليها بتفريق ثلثه أو قضاء دينه أو إمضاء وصيته أو غير ذلك‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وله تزويجها‏,‏ وإن كرهت ‏]‏

وجملته أن للرجل تزويج أم ولده أحبت ذلك أم كرهت وبهذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه وهو أحد قولي الشافعي واختيار المزني وقال في القديم‏:‏ ليس له تزويجها إلا برضاها لأنها قد ثبت لها حكم الحرية‏,‏ على وجه لا يملك السيد إبطالها فلم يملك تزويجها بغير رضاها كالمكاتبة وقال في الثالث‏:‏ ليس له تزويجها‏,‏ وإن رضيت لأن ملكه فيها قد ضعف وهي لم تكمل فلم يملك تزويجها‏,‏ كاليتيمة وهل يزوجها الحاكم على هذا القول‏؟‏ فيه خلاف وقد روي عن أحمد رضي الله عنه أنه قيل له‏:‏ إن مالكا لا يرى تزويجها فقال‏:‏ وما نصنع بمالك‏؟‏ هذا ابن عمر وابن عباس يقولان‏:‏ إذا ولدت من غيره‏,‏ كان لولدها حكمها ولنا أنها أمة يملك الاستمتاع بها واستخدامها‏,‏ فملك تزويجها كالقن وفارقت المكاتبة‏,‏ فإنه لا يملك ذلك منها والقول الثالث فاسد لذلك ولأنه يفضي إلى منع النكاح لامرأة بالغة محتاجة إليه وقولهم‏:‏ يزوجها الحاكم لا يصح فإن الحاكم لا يزوج إلا عند عدم الولي أو غيبته‏,‏ أو عضله ولم يوجد واحد منها إذا ثبت هذا فإنه إذا زوجها فالمهر له لأنه بمنزلة كسبها‏,‏ وكسبها له وإذا عتقت بموته فإن كان زوجها عبدا فلها الخيار ولأنها عتقت تحت عبد‏,‏ وإن كان حرا فلا خيار لها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ ولا حد على من قذفها ‏]‏

هذا قول أكثر أهل العلم وقد روي عن أحمد رضي الله عنه أنه عليه الحد لأن ذلك يروى عن ابن عمر ولأن قذفها قذف لولدها الحر وفيها معنى يمنع بيعها‏,‏ فأشبهت الحرة والأول أصح لأنها أمة حكمها حكم الإماء في أكثر أحكامها‏,‏ ففي الحد أولى لأن الحدود تدرأ بالشبهات ويحتاط لإسقاطها ولأنها أمة تعتق بالموت‏,‏ أشبهت المدبرة وتفارق الحرة فإنها كاملة‏.‏

فصل‏:‏

ولا يجب القصاص على الحرة بقتلها لعدم المكافأة وإن كان القاتل لها رقيقا وجب القصاص عليه لأنها أكمل منه وإن جنت على عبد أو أمة‏,‏ جناية فيها القصاص لزمها القصاص لأنها أمة أحكامها أحكام الإماء‏,‏ واستحقاقها العتق لا يمنع القصاص كالمدبرة‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإن صلت مكشوفة الرأس كره لها ذلك‏,‏ وأجزأها ‏]‏

إنما كره لها كشف رأسها في صلاتها لأنها قد أخذت شبها من الحرائر لامتناع بيعها وقد سئل أحمد رضي الله عنه عن أم الولد كيف تصلي‏؟‏ قال‏:‏ تغطي رأسها وقدميها لأنها لا تباع وكان الحسن يحب للأمة إذا عهدها سيدها - يعني وطئها - أن لا تصلي إلا مجتمعة وإن صلت مكشوفة الرأس أجزأها لأنها أمة‏,‏ حكمها حكم الإماء قال إبراهيم‏:‏ تصلي أم الولد بغير قناع وإن كانت بنت ستين سنة وقد روى عن أحمد رضي الله عنه رواية أخرى أن عورتها عورة الحرة وذكرنا ذلك في كتاب الصلاة والصحيح أن حكمها حكم الإماء وإنما خالفتهن في استحقاقها للعتق وامتناع نقل الملك فيها‏,‏ وهذا لا يوجب تغير الحكم في عورتها كالمدبرة ولأن الأصل بقاء حكمها في إباحة كشف رأسها‏,‏ ولم يوجد ما ينقل عنه من نص ولا ما في معناه فيبقى الحكم على ما كان عليه‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ وإذا قتلت أم الولد سيدها‏,‏ فعليها قيمة نفسها ‏]‏

وجملته أن أم الولد إذا قتلت سيدها ‏,‏ عتقت لأنها لا يمكن نقل الملك فيها ‏,‏ وقد زال ملك سيدها بقتله ‏,‏ فصارت حرة ‏,‏ كما لو قتله غيرها ‏,‏ وعليها قيمة نفسها ‏,‏ إن لم يجب القصاص عليها وهذا قول أبي يوسف وقال الشافعي‏:‏ عليها الدية لأنها تصير حرة ولذلك لزمها موجب جنايتها ‏,‏ والواجب على الحر بقتل الحر دية ولنا ‏,‏ أنها جناية من أم ولد ‏,‏ فلم يجب بها أكثر من قيمتها ‏,‏ كما لو جنت على أجنبي ‏,‏ ولأن اعتبار الجناية في حق الجاني بحال الجناية ‏,‏ بدليل ما لو جنى على عبد فأعتقه سيده ‏,‏ وهي في حال الجناية أمة ‏,‏ فإنها إنما عتقت بالموت الحاصل بالجناية ‏,‏ فيكون عليها فداء نفسها بقيمتها ‏,‏ كما يفديها سيدها إذا قتلت غيره ‏,‏ ولأنها ناقصة بالرق ‏,‏ أشبهت القن ‏,‏ وتفارق الحر فإنه جنى وهو كامل ‏,‏ وإنما تعلق موجب الجناية بها لأنها فوتت رقها بقتلها لسيدها ‏,‏ فأشبه ما لو فوت المكاتب الجاني رقه بأدائه وأما إن قتلت سيدها عمدا ‏,‏ ولم يكن لها منه ولد ‏,‏ فعليها القصاص لورثة سيدها ‏,‏ وإن كان له منها ولد وهو الوارث وحده ‏,‏ فلا قصاص عليها لأنها لو وجب ‏,‏ لوجب لولدها ‏,‏ ولا يجب للولد على أمه قصاص ‏,‏ وقد توقف أحمد رضي الله عنه عن هذه المسألة‏:‏‏,‏ في رواية مهنا ‏,‏ وقال‏:‏ دعنا من هذه المسائل وقياس مذهبه ما ذكرناه وإن كان لها منه ولد ‏,‏ وله أولاد من غيرها ‏,‏ لم يجب القصاص أيضا لأن حق ولدها من القصاص يسقط ‏,‏ فيسقط كله وقد نقل مهنا عن أحمد رضي الله عنه أنه يقتلها أولاده من غيرها وهذه الرواية تخالف أصول مذهبه والصحيح أنه لا قصاص عليها ‏,‏ ويجب عليها فداء نفسها بقيمتها ‏,‏ كما لو عفا بعض مستحقي القصاص عن حقه منه ‏,‏ والله أعلم والحمد لله وحده وصلى الله على محمد‏.‏